تم تحديث المقالة مؤخراً بتاريخ: 17 يونيو, 2018
كل ما يخص دراسة اللغه في مدينة دورتموند
“دراسة اللغة في مدينة دورتموند”. دورتموند هي من أكثر المدن استقبالاً لطلاب اللغة، وتتضاربتْ آراء كثيرة حول جودتها لهذا الغرض، وأنا اليوم سأحاول بعون الله أن أكون موضوعياً في بحث المسألة بعرض بناءً على تجربتي، وتجارب نفر ممن حولي.
لكن ابتداءً عليك أن تتذكر أن لكل إنسانٍ ظروفه الخاصة، وطرقه في التعامل مع الأشياء والأشخاص من حوله، وهذا يسبب اختلافات منها العظيم ومنها الضئيل في النظرة إلى الأمور، والحكم على الأشياء، لذلك تتفاوت وجهات النظر، وتتضارب في بعض الأحيان النصائح التي يستجلبها المرء من أشخاص خاضوا التجربة ذاتها في المكان ذاته بل وفي الزمان ذاته، لذلك يَصعب في كثير من الأحيان تحديدُ الصواب والخطأ، والدقيقِ من المغلوط ِفيما نسمعه ونتناقله، ويقع كثيرون في مشكلاتٍ عويصة وأخطاء جسيمة عند سماعهم من جهة واحدة، وحَصْر أنفسهم في شخص سَبَقهم “ولو كان ثقة”، ومقارنة أنفسهم باستمرار بهذا الشخص وتجربته، دون أن يراعوا الفوارق في المعارف والظروف بل وفي النفسية الداخلية للمرء.
وخلاصة هذه المسألة أن على الإنسان في كل خطوة من حياته أن يستنصح من هم أكثر منه خبرة وأوسع معرفة، لكن ألا يحصر نفسه فيما يسمع بل يجعل ذلك دليلاً مبدئياً لرحلته، وأن يقيم المقارنات الأولية بمراعاة كل الفروق اللازمة، ثم يرسم بعد ذلك طريقه الخاص بالشكل الذي يُريحه ويضمن له تحقيق هدفه.
بعد هذا السرد دعوني أقفز إلى جوهر الموضوع. أهم ما يجتذب الطلاب إلى مدينة دورتموند لدراسة اللغة واستفتاح الحياة العلمية في ألمانيا، هو نظامها التعليمي السريع والذي يناسب آماني وطموحات الطلبة في إتمام اللغة في أقصر مدة ممكنة، حيث يزور الطالب كورسات مكثفة لمدة تسعة أشهر – في حال لم يتعثر في أي منها – ثم يتقدم لامتحان الـ DSH والذي تكون أقسامه وموضوعاته في الغالب مشابِهةً لحد كبير لتلك التي درسها الطالب خلال الأشهر التسعة، ما يُمكِّنه من تحصيل علامة جيدة فيه، وثمة من ينجح في تقليص المدة فيجتاز الامتحان في الأشهر الستة الأولى.
لمحة عن مدة وتكاليف الدورات المكثفة لدراسة اللغة الألمانية في معهد PDL في مدينة دورتموند:
للمزيد من المعلومات: http://www.vfz.de/de/studenten/termine-preise
لمحة عن مدة وتكاليف الدورات المكثفة لدراسة اللغة الألمانية في معهد perfekt.deutsch في مدينة دورتموند:
للمزيد من المعلومات: http://www.perfekt-deutsch.de/preise
العامل الآخر لاجتذاب الطلاب هو وفرة المعارف والأصحاب، والعرب بشكل عام في هذه المنطقة، ما يضمن لكثيرين استقبالاً من المطار، وسكناً ولو مؤقتاً، ومساعدة في كل الإجراءات اللاحقة من تسجيل في المعهد، والبلدية وغيرها.
هي إذن “مدينة الأحلام” هكذا يتخيلها المقبل على الدراسة في ألمانيا، هنا يتحقق أهم شرطين في دراسة اللغة: السرعة، والقدرة على التماسك في أول الأيام، لكن عند النظر إلى تجارِب كثيرين نرى اختلافاً في الأمر، وأنه – صحيح أن منهم من استطاع أن يحقِّق المعيار باجتياز اللغة في فترة قياسية، وأن يتأقلم ويحقق الراحة المطلوبة- إلا أن آخرين ضعفوا عن ذلك وضيعوا فترة طويلة “بالمقارنة مع طموحهم” في تعلم اللغة، ولم يحققوا استقراراً، وازدادت حالتهم النفسية سوءاً لا تحسناً.
فما هو إيجابي للبعض، سلبي لآخرين، فكثرة الطلبة العرب دفعت كثيرين إلى الاتكالية وعدم الاعتماد على النفس، لظنهم أن أي شخص سبقهم في السكن في ألمانيا ولو لشهر واحد هو أقدر منهم على إنجاز أي أمر هنا، وأن الاتكال عليه أضمن وأنجع من الاعتماد على النفس، وهنا يخسر الطالب الدافع الأول لإتقان اللغة وهو الاحتكاك “الفَرضي والإجباري” مع المؤسسات، فإنه ما دام ثمة من يقوم بالأمر عنه فهو ليس بحاجة مُلحَّة لحسن الفهم وإنشاء الجُمَل.
من ناحية أخرى فإن نظام السكنات التي يلجأ إليها الكثيرون للترويح عن أنفسهم وطرد الشعور بالاغتبار يكون سلبياً في كثير من الأحيان، فتلك السكنات التي تتسع لأربعة أو خمسة طلاب تحمِّل الطالب فوق طاقته إذ تحمِّله مسؤولية السكن ولوازمه من عقود كهرباء وإنترنت ما يُمكن أن يُعفى منه لو لجأ لسكنات الطلبة أو سكنات الـ WG، ثم إن نفوس البشر متنافرةَ الطباع صعبةُ التوافق في حالات التلاسق السكني وهذا سيقود الطلاب في كثير من الأحيان إلى خلافات ومشكلات هم في غنى عنها، ودراستهم أولى بإضاعة الوقت عليها بدل من هذي الحوارات التي تعكر مزاج الطلبة وتُفسد عليهم الرغبة في المواصلة. أضف إلى هذا أن الطالب سيفقد في هذا النمط مساحته الخاصة التي يمارس فيها أسلوبه في الدراسة وطباعه في الحياة.
بالإضافة إلى ذلك هناك عدد من الطلاب يحصر معرفته بمن حوله بأبناء أرضه والمتحدثين بلغته، فهم أقرب إليه ثقافة، وألصق إليه طبعاً، فيقضي معهم عامة وقته حتى تلك التي يتوجَّب عليه أن يخوض فيها مع الأجانب في الصف والاستراحة بين الحصص، وغالباً ما يتحول هذا العدد الكبير من المعارف إلى جدار يَحُول بين المرء وممارسة اللغة الألمانية، وقد وقع معي شبه هذا حين كنت في بدايتي ولم أكن أستطيع إتمام خمس دقائق في الحوار مع أي أجنبي، قبل أن يُقبِل أحد معارفي العرب ويبدأ يتحدث العربية غير ملتفت إلى محاوري الآخر، وفي أسوء الحالات يبدأ بإلقاء النكات على الموقف ويلتقط “الأخطاء” في لغتي.
وثمة نقطة أخرى هي عدم إدراك الفوارق في القدرات، وعمل مقارنات خاطئة تكون نتائجها كارثية، فبعض الطلاب كما نعلم لديهم “موهبة ربانية” مع اللغات تمكِّنهم من التعامل مع اللغة بشكل سلس وفي فترة سريعة جداً تُذهل أقرانهم الذي جاءوا معهم أو ربما سبقوهم، وهذا ينَمِّي في قلوبهم الشعور بالإحباط والحسرة وأنه مقصرون أو فاشلون، لكن هذا غير صحيح، وما عليهم سوى تكثيف دراستهم واهتمامهم باللغة لتعويض غياب “الموهبة” – ولو على المستوى الأكاديمية فحسب – فتعويضها على مستوى التواصل صعب جداً وربما لا يتأتَّى لكثيرين لأنها متعلِّقة بصفات الشخص وقدراته أكثر من الاجتهاد والمثابرة.
لكن السؤال كيف استطاع البعض إتمام اللغة بل وإتقانها رغم هذا الجو الذي سردت لنا أحداثه – حتى من أولئك الذي لا يملكون “الموهبة” والقدرات الخاصة؟
الجواب يا صديقي ببساطة أن الأمر متعلق بشخصية الطالب وقدرته على إنجاز مخططاته وتحقيق أهدافه والإصرار عليها مهما كان الذي يدور من حوله، فأولئك رغم كثرة معارفهم لم يَركنوا إليهم في إجراء أمورهم، أولئك لم تمنعهم صداقاتهم العربية من إنشاء صداقات أخرى، والتحدث باللغة الألمانية – ولو بشكل سيء – دون خجل، أو لنقل دون اكتراث لردة فعل من حولهم، أولئك يا صديقي لم ينجرُّوا إلى أي مشكلات تافهة هم في غنى عنها، أو لعل كثيرين من هم وقعوا فيها لكنهم لم يحمِّلوها فوق قيمتها، وأحسنوا التعامل معها، أولئك استطاعوا أن يُحافظوا على مساحتهم الخاصة وأسلوبهم الخاص وطباعهم الخاصة في التعامل مع الدراسة .. الحياة .. وكل شيء من حولهم، أولئك ألْهَوا أنفسهم في المواظبة على الدراسة، بدلاً من مراقبة من حولهم وعقد مقارنات ساذجة.
خلاصة الأمر، أنني نادم لأمرين: الأول أنني وقعت في هذه الأخطاء السابق ذكرُها، وضعفت – في البداية – عن تجاوزها، الثاني أنني حين أدركت ضعفي لم أتخذ اجراءً مناسباً فورياً كأن أترك المدينة ولو كانت مدة الكورس في المدن الأخرى ضعف مدته هنا.
وفي النهاية فإن اختيار دورتموند كمدينة البداية في ألمانيا ليس اختياراً سيئاً لكنه حساس، ويتطلب أن يكون المرء واعيا بكل تلك الأمور الجانبية وفوق ذلك أن يكون قادراً على تجاوزها والتعامل معها، ليُحقِّق في النهاية حلمه الذي هو فقط من يحدِّد ملامحه. فإن كنتَ تجد في نفسك القابلية للتعامل مع الأمر فأهلاً بك، ولتسر على الخطة التي رسمْتَ، وإن كان غير ذلك فحاول أن تَجِد مدينة تعيش فيها الجو الذي تتمنى، والأحداث التي تبغي.
والله ولي التوفيق، في كل سبيل وطريق.
يزن التميمي
1 Comments
Comments are closed.